خامسًا: في المعاملات
التعامل بين الأفراد ركيزة أساسية من ركائز بنية المجتمعات، والتعامل بين المجتمعات دعامة قوية من دعائم بناء الدولة والحكومات.
ولقد عنيت النظم قديمًا وحديثًا في تنظيم هذا الأمر ضمن إطار يحقق المصالح ويجنب الشقاق والنزاع، ولم تعرف البشرية دينًا أو نظامًا كفل حقوق الأفراد ووضع الأسس التي يسير عليها الناس في تعاملهم كما تم في الإسلام، فقد حظي هذا الجانب بعناية فائقة شأن الإسلام في كل شئون الحياة، ولقد بلغ الاهتمام في هذا المجال حدًا يصوره لنا الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان، حيث يكشف لنا عما وصل إليه المجتمع المسلم من أسلوب رائع في التعامل نتيجة لتلك الأسس التي بنيت عليها الدولة الإسلامية، يقول - رضي الله عنه - في الحديث الذي يرويه عنه البخاري في صحيحه: ولقد أتى علي زمان ولا أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلمًا رده علي الإسلام، وإن كان نصرانيًا رده علي ساعيه (¬1) .
ولقد جاء العهد والميثاق في القرآن الكريم في إطار تنظيم التعامل بين الناس لتحمل الثقة والأمانة مكان التوجس والخوف والخيانة، ونجد قوله تعالى في سورة آل عمران: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران:76) قد جاء بعد أن ذكر لنا سبحانه واقع أهل الكتاب من حيث التعامل معهم (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً) (آل عمران: من الآية75) الآية.
¬__________
(¬1) - صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب إذا بقي في حثالة من الناس 9/66.