والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: لماذا شرح المفسرون واللغويون الاسلاميون كلمة (أمية) بأنها الجهل بالقراءة والكتابة، ورفض بعض المستشرقين وتلاميذهم هذا الشرح.؟
ويكمن الجواب في أن اليهود والمسيحيين كانوا يقسمون العالم إلى قسمين (¬2)، يهود، وغير يهود ... " غوييم "، ففي سفر التثنية، الإصحاح الثالث والعشرين، فقرة رقم (20) قوله: " لا تقرض أخاك بربا للأجنبي تقرض بِرِبا " ..
وجاء في إنجيل مرقص، الإصحاح السابع، فقرة (26): " وكانت المرأة أممية في جنسها، فينيقية سورية "، وعلى هذا فإن المستشرقين عندما ترجموا الكلمة، فإنهم لم يستطيعوا إبعاد تقاليدهم الدينية، مسيحية ويهودية، وبينما أرجع المفسرون واللغويون المسلمون كلمة (أمي) إلى أم، أو أمّ القُرى، فإن هؤلاء المستشرقين أرجعوها إلى كلمة (أمة) المأخوذة من العبرية " أموت هَعُولم " (¬3) ..
كما استدل الجابري بروايات تاريخية، كشواهد على صحة زعمه، من أن النبي-عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ ويكتب. فلم تصح استدلالاته، ولم يُوفق في زعمه. و تبيان ذلك فيما يأتي:
1 - استدل على صحة رأيه، بخروج النبي-صلى الله عليه و سلم- إلى الشام للتجارة، فذكر أنه: " كان قبل النبوة يتردد على الشام في تجارة لخديجة، التي تزوجته بسبب ما لمسته من أخلاقه وكفاءته، وأنه
¬__________
(¬1) - انظر مادة (أمي – وأمة) وتعليق أحمد محمد شاكر عليها، في دائرة المعارف الاسلامية، ترجمة محمد الفندي وآخرون، دار المعرفة، بيروت: مجلد4: ص 414، 426.
(¬2) - العقاد، الإسلاميات، دار الكتاب اللبنانب، بيروت: 2 ص 200.
(¬3) - انظر: مقدمة بلاشير، ص 8. [مع ورود كلمة (أمة) في القرآن في أربع وأربعين موضعاً بمعنى الجماعة، وجاءت في موضعين بمعنى الحين (هود 8، ويوسف 45) وفي موضعين بمعنى الدين (الزخرف:22،23) وجاءت مرة واحدة بمعنى (القدوة) (النحل: 120).] انظر معجم ألفاظ القرآن الكريم، مادة أمة. لاحظ ما قاله الجابري في (كتابه (مدخل إلى القرآن .. صفحة 83): (والواقع أن لفظ (أمي) لفظ معرب، لا أصل له في اللغة العربية .. ؟!). وبمثل ذلك قال الكاتب الليبي الصادق النيهوم، إذ قال: إن كلمة (أمي) مصطلح توراتي مشتق من كلمة (أوم ت ي ا) بمعنى (أممي) أي: غير تابع لأهل الكتاب. انظر كتابه: إسلام ضد الاسلام ص 23 - 24.