وهذا يعطي المعاهدين ضمانة قوية وأمانًا راسخًا لا يشوبه خوف غدر أو نقض عهد من قبل المسلمين.
ومما سبق نلمس هذا الأثر العظيم على حياة من يرتبط مع المسلمين بعهد أو ميثاق، فإنه يدرك أي أمن يعيش فيه، وأي حياة مستقرة يحياها، فلا خوف على نفسه أو أهله أو مجتمعه من الدولة المسلمة، ولقد اعترف كثير من غير المسلمين بأنهم يأمنون المسلمين أكثر مما يأمنون أهل دينهم وبني جلدتهم، ولذلك فقد سجل التاريخ بصفحات بيضاء أمثلة رائعة لهذا الأمر (¬1) حتى أتى الكفار إلى المسلمين يطلبون منهم العهد والميثاق، لما لمسوه من أثر إيجابي يتخلى في سلوك المسلمين وأخلاقهم.
الحياة الطيبة والجزاء الحسن والأجر العظيم
بعد أن أمر سبحانه في سورة النحل بالوفاء بالعهد ونهى عن نقض الإيمان بعد توكيدها، وحث على الصبر على ذلك. ثم أكد على العهود مرة أخرى (¬2) بيّن عاقبة الصابرين وما أعده لهم من جزاء حسن، ثم جاء بأسلوب بديع يشير إلى - جزاء من عمل صالحًا - والوفاء بالعهد من العمل الصالح (¬3) حيث وعده بالحياة الطيبة في الدنيا والجزاء الحسن في الآخرة.
(وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:96،97) .
¬__________
(¬1) - سبقت الإشارة إلى شيء من ذلك في العهود التي تمت مع المشركين، وكتب التاريخ مليئة بمثل هذا الأمر على مرّ العصور الإسلامية.
(¬2) - انظر الآيات [91-95].
(¬3) - انظر تفسير الطبري 14/170 حيث فسر العمل الصالح هنا بالوفاء بالعهد وعمل الطاعات.