وهذا التصوير الذي تكلف الجابري في بلورته عن المنطقة، ليس صحيحاً ولا سليماً، بل هناك أدلة تدل على خطئه في هذا التصوير، منها:
الدليل الأول: ... يناقض تصوير الجابري لحال البشرية غداة بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تصوير الرسول ... - صلى الله عليه وسلم - لتلك الحال؛ حيث ورد في عدة أحاديث منها ما حدثنا به عياض المجاشعي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم في خطبته: " ... إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب .. الحديث " (¬1)، وهذا الحديث يبين فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - حال البشرية غداة بعثته، ويبين فيه أن الله نظر إلى أهل الأرض غداة بعثته فمقتهم، لأنهم انحرفوا عن جادة الصواب في معرفته وعبادته - سبحانه وتعالى -، والمقت أشد الغضب، ولا شك أن تصوير الرسول الذي لا ينطق عن الهوى أشد دقة من كلام الجابري وغيره في تصوير حال أهل الأرض غداة بعثته - صلى الله عليه وسلم -
الدليل الثاني: لو كان الوضع كما صوره الجابري؛ وهو أن التوحيد بخير، وأن الموحدين يعج بهم المكان والزمان، لَمَا كانت هناك حاجة إلى إرسال رسول، فقد بيَّن المفسرون في أكثر من موضع من تفسير القرآن الكريم وتاريخ الأنبياء، أن الله كان يبعث رسولاً، وينزل كتاباً عندما يعم الكفر، ويستشري الضلال، ويتعمق الشرك، فيبعث الله رسولاً لكي يعم النور والهدى، وهذا من رحمته - تعالى - بعباده .. ومن المعلوم أن الله بعث عيسى - عليه السلام - عندما استحكم الضلال في بني إسرائيل، وهو ما ينطبق على الظروف التي أحاطت بابتعاث الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد بعثه الله عندما استحكم الكفر والشرك
¬__________
(¬1) - انظر: صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1375هـ: حديث رقم (2865) من حديث عياض بن حمار المجاشعي ..