لأنه أولا: ليس صحيحاً أن النبي- عليه الصلاة و السلام- كان يتردد على الشام للتجارة، لأنه لم يكن تاجراً ... محترفاً، حتى يُقال: إنه كان يتردد على الشام. و الثابت في السيرة النبوية أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم- لم يخرج إلى الشام إلا مرتين .. ... الأولى: خرج فيها مع عمه أبي طالب و كان ما يزال صغيراً ... والثانية: خرج فيها إلى الشام للتجارة في أموال خديجة-رضي الله عنها- قبل زواجه بها. و لم يخرج إلى الشام إلا في هاتين السفرتين، الأولى: لم يكن فيها تاجراً، والثانية: هي التي كان فيها تاجراً (¬2)، فهو لم يتردد عليها أبداً، لا من أجل التجارة و لا من أجل أمرٍ آخر، فزعْمُهُ هذا هو من قبيل التدليس، و كان عليه أن يُوثق زعمه.
وثانيا: إن استدلاله بأن خروج النبي- عليه الصلاة و السلام- إلى التجارة، يعني أنه من غير المتوقع أن يكون لا يعرف الكتابة، هو استدلال ضعيف، و مُستبعد أيضا، لأن ممارسة التجارة لا تستلزم معرفة الكتابة، فكم من تاجر لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ويعتمد أساسا على ذاكرته القوية التي لا تخونه إلا نادراً. و هذا أمر معروف و مُشاهد في زماننا هذا. والنبي- عليه الصلاة والسلام – لم يكن تاجراً محترفاً ولا شبه محترف، ولم يكن تاجراً أصلاً، وإنما خرج تاجراً مرة واحدة في حياته. الأمر الذي يعني أن استنتاج الجابري غير صحيح.
وثالثا:- نص القرآن الكريم صراحة على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، وهذا وحده كاف لإبطال زعم الجابري، لأن ما قرره القرآن لا يمكن رده برواية تاريخية، ... ولا باستنتاج، ولا بتأويل.
وزعم الجابري زعمٌ باطل، فيه تدليس على القُرّاء، لأن مضمون كلامه أن قريشاً لم تكن تعتقد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أمياً، و إنما كانت تعتقد أنه كان يعرف القراءة و الكتابة. وهذا زعم
¬__________
(¬1) - الجابري: مدخل إلى القرآن الكريم، ص: 85.
(¬2) - سيرة ابن هشام: السيرة النبوية، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، ط القاهرة، ج1 ص: 180، 187. و ابن حزم: الفصل في الملل و الأهواء و النحل، مكتبة الخانجي – القاهرة، ج1 ص: 183. وتقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية: مجموع الفتاوى، جمع عبد الرحمن النجدي وولده،1398هـ: ج 2 ص: 72.