قال: " لنأخذ مثلا نصيب البنت من الإرث في الإسلام، وهو الثلث، كما يتبين من قوله تعالى: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء:11)، كيف نقرأ هذا الحكم قراءة تجعله معاصراً لنفسه، ومعاصراً لنا في نفس الوقت؟
والقرآن لا يبين الاعتبارات التي تبرر هذا التمييز، وإذن فلابد من إعمال العقل بالرجوع إلى المقاصد، وأسباب النزول، ومعهود العرب. والواقع أن المجتمع العربي في الجاهلية وزمن النبوة كان مجتمعاً قبلياً رعوياً، والعلاقة بين القبائل الرعوية هي علاقة نزاع حول المراعي. والزواج في مثل هذا المجتمع إذا تَمَّ بتزويج البنت لشخص من غير قبيلتها، كان يثير مشاكل تتعلق بالإرث في حال وفاة أبيها. ذلك أنه إذا كان لها أن تأخذ نصيباً مما ترك، ماشية كان، أو مجرد الحق في المرعى المشترك، فإن هذا النصيب سيؤول إلى قبيلة زوجها على حساب قبيلة أبيها، مما قد يتسبب في منازعات وحروب. ومن أجل تلافي مثل هذه النزاعات عمدت بعض القبائل في الجاهلية إلى عدم توريث البنت بالمرة، بينما منحتها قبائل أخرى الثلث أو أقل .. ؟! ... وإذا أضفنا إلى ذلك محدودية المال المتداول في المجتمع القبلي، سَهُلَ علينا إدراك كيف أن توريث البنت قد يؤدي إلى الإخلال بالتوازن الاقتصادي بين القبائل، خصوصاً مع تعدد الزوجات، وكان معمولاً به بكثرة ...
ولاشك أن الإسلام قد راعى هذه الوضعية، ونظر إلى وجه المصلحة، وهو تجنب النزاع والفتنة، فقرر نوعاً من الحل الوسط يناسب المرحلة الجديدة التي دشنها قيام الدولة المحمدية في المدينة، فجعل نصيب البنت نصف نصيب الولد، وجعل نفقة المرأة على الرجل " زوجةً كانت أو أُمًّا ".
أما اليوم .. !! وقد قَلَّ تعدد الزوجات، وصارت علاقات المصاهرة تبتعد أكثر فأكثر عن الاعتبارات القبلية خصوصاً في المدن، وأكثر من ذلك أصبحت المرأة تشتغل، وتكسب مالاً، وتشارك في النفقة على البيت والأولاد .... الخ، وبالتالي خَفَّ المانع الذي كان يبرر عدم إعمال القاعدة الكلية، أعني المساواة بين المرأة والرجل، فإن الجزئي في هذه الحالة، لا أقول يجب أن يُعَطَّل، بل أقول يجب أن يُنظر إليه كاستثناء يُعمل به في أحوال، ويُعلق في أحوال؛ لأن مجتمعاتنا تجتاز في الوقت الراهن مرحلة تَحَوُّل: يتعايش فيها