ثم حاول ذلك " هيرتوج هيرشفيلد " (¬2) في كتابه: " أبحاث جديدة في تركيب وتفسير القرآن " وهو لم يخرج عن مسلمات " نولديكه ". ... ثم ظهرت محاولة " ريتشارد بل " (¬3) عام 1937م- 1939م، وكان عمله أخطر ما قدمه مستشرق غربي، حيث شكك في النص القرآني، وكل هذه المحاولات لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه، وعقليتهم الغربية أعجز من أن تصل إلى كُنه هذا الكتاب الرباني، المرتب بتناسق عجيب، وسلاسةٍ أَخّاذَة .. (¬4)
ثم جاء عقب هذه الجهود الفاشلة، ما قام به الدكتور محمد عابد الجابري (¬5) في كتابه المسمى " فهم القرآن الحكيم، التفسير الواضح حسب ترتيب النزول " والمنهج الذي اتبعه الجابري، هو منهج معروف في خطوطه العامة، وقد أشار هو بنفسه إلى أن فكرة تفسير القرآن وفقاً لترتيب النزول تعود إلى المستشرق الفرنسي " ريجس بلاشير " الذي قام بترجمة " معاني القرآن " إلى الفرنسية على أساس ترتيب النزول الذي وضعه " ثيودور نولديكه "، أي أنه من حيث خطوط المنهجية العامة لم يأتِ بجديد، وما قام به هو عبارة عن تجديد للمحاولات الاستشراقية ليس إلاّ .. !! ... فالرجل اتَّبعَ خطوات نولديكه " على رغم نقده الشديد لها " مع بعض التعديل، ولو قارنا مُؤَلَّف الجابري مع مُؤلَّف " تاريخ القرآن " لوجدنا مشروع الجابري نسخة مطورَّة عن مشروع نولديكه ... ؟! (¬6) أي أنه من
¬__________
(¬1) - انظر: مناهج البحث في الإسلاميات لدى المستشرقين وعلماء الغرب: محمد البشير المغلي ط1، الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلاميه2002 م: ص250.
(¬2) - هيرتوج هيرشفيلد: ولد سنة 1854م، ومن آثاره: بحوث جديدة في نرتيب القرآن وتفسيره، توفي سنة 1834م. انظر: المستشرقون، للعقيقي: ج 2: ص 400.
(¬3) - ريتشارد بل: من رجال الدين، وأستاذ اللغة العربية بجامعة أدنبرة، وقد أكد في أول كتابه عن القرآن، أن النبي – صلى الله عليه ... وسلم – قد اعتمد في كتابه على أسفار العهد القديم. انظر: المستشرقون للعقيقي، ج2: ص 93 - 94.
(¬4) - انظر: د. عمر بن إبر اهيم رضوان، آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره - دراسة ونقد –: ص 494 - 502،
(¬5) - أشار أيضا إلى هذا المنهج في تفسير القرآن في كتابه مدخل إلى القرآن الكريم، الجزء الأول، مركز دراسات الوحدة، بيروت، لبنان، ط2، 2007م، ص 28 – 29.
(¬6) - انظر مقال الاستاذ عبدالرحمن الحاج، الموسوم بـ: الجابري وإعادة "فهم القرآن الحكيم" منشور بصحيفة "الحياة" في 5 يونيو 2010. وما قاله الكاتب، يشبه تماما ما قاله الأديب الكبير محمود محمد شاكر عن كتاب: طه حسين " في الشعر الجاهلي ": حيث قال: " كل ما قاله الدكتور طه حسين مجرد سطو على مقالة مرجليوث " أصول الشعر العربي "، وكتاب طه حسين" في الشعر الجاهلي" ... لا يزيد على أن يكون حاشية وتعليقاً على هذه المقالة: انظر: محمود محمد شاكر، " المتنبي، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا " ص 14، ـ حتى وُسِمَ تهكماً بأنه: (حاشية طه حسين على متن مرجليوث) انظر: أنور الجندي: محاكمة فكر طه حسين: مراجعة كاملة لمؤلفات وكتابات طه حسين خلال خمسين عاماً: ص 166.