وقال: " وقد وقع تدارك بعض النقص كما ذكر في مصادرنا ".
ونقول: اكتفى صاحب هذا الرأي الفاسد بإبهام النقص وإبهام المصادر، لأن غرضه لا يتحقق إلا بهذا الإبهام، وهو إحداث التشويش في عقيدة المسلم بالقرآن. وإذا وقع التدارك لم يكن نقص.
أما قوله: " وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9) فالقرآن نفسه ينص على إمكانية النسيان والتبديل والحذف والنسخ .. " ... فنقول: هذه دعوى باطلة جاء بها لدفع الاعتراض عليه بالآية، فإن وَعْد الله بحفظ تنزيل القرآن يستلزم امتناع جواز الخطأ فيه، فضلا عن وقوعه، فدعوى المذكور عدمَ التعارض تلبيسٌ وتمويهٌ على السذج والجهال وغير المتخصصين في علوم الشريعة ..
والتغيير الذي تدل عليه الآيات هو من قِبَل الله الذي أنزل القرآن، فهو بمشيئة الله وعلمه وحكمته، ولا يكون إلا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (الرعد: 39)، والتغيير قد انقطع بموته - صلى الله عليه وسلم - لانقطاع الوحي .. ... وأما التغيير الباطل فهو ما يحصل من فعل الناس عمداً أو خطأً، وهذا ما وعد الله بحفظ كتابه منه، وعصم منه هذه الأمة أن تُجمع على شيء منه، وقد أجمعت الأمة على هذا القرآن المكتوب في مصاحف ... المسلمين، المحفوظ في صدور الحافظين، المتلوِّ في المحاريب بألسن القارئين، وأجمعوا على سلامته من التحريف والتغيير والتبديل، فحينما وقعت حرب " الجمل "، لم يتهم أحد الآخر بتحريف القرآن، وحينما وقعت " حرب صفين " كذلك، التي شارك فيها عدد كبير من الصحابة، وسالت فيهما دماء كثيرة، لم يتهم أحد منهم الآخر بحذف آيات من القرآن ... بل أجمعوا على كفر من ادعى ذلك في القرآن .. ... وواضح من مفهوم كلام الجابري أنه يقول بضياع بعض القرآن، وأن مصحفنا الموجود عندنا ناقص، وقد ضاعت منه آيات سهواً أو عمداً أو بهما معا .... ودَجَلُهُ هذا باطل جملةً وتفصيلا، بناه على ظنون ومعطيات غير صحيحة أصلاً. ... لأنه: زعم أن القرآن قبل توحيده زمن عثمان- رضي الله عنه-،