2 – اختلاف مصاحف الصحابة في ترتيب السور، فمنهم من رتبها على ترتيب النزول كمصحف علي، وكان أول مصحف ابن مسعود: البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، وكذا مصحف _ أُبَيّْ _ فكان بينها اختلاف شديد في الترتيب وفي المصاحف لابن أشته:- " أن عثمان أمرهم أن يتابعوا الطوال، فجعلت الأنفال والتوبة في السبع ولم يفصل بينهما بالبسملة، فهذا الاختلاف الشديد بين مصاحف الصحابة دليل على أنه لم ينقل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – شيء في هذا الباب وإلا لما ساغ لهم أن يهملوا ترتيب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعمل آخرمن اجتهادهم" (¬2)
ويمكننا مناقشة هذه الأدلة: - بأن حديث حذيفة يبين أن سورة النساء كانت في ذلك الوقت مقدمة على سورة آل عمران، ثم حصل الترتيب بعد ذلك بالتوقيف ..
أو: أن الترتيب في الصلاة ليس بواجب، وفعله – صلى الله عليه وسلم – كذلك لبيان الجواز (¬3) ..
أما استدلالهم باختلاف مصاحف الصحابة فيمكن رده: بأن مصحف عثمان – رضي الله عنه – لو كان اجتهادياً لما وافقوه على ذلك، لأنه ليس لمجتهد أن يقلد مجتهداً آخر، كما هو مقرر عند الأصوليين. ثم إن مصاحف الصحابة كانت خاصة بهم، جمعت إلى القرآن بعض مسائل العلم، وبعض المأثورات، فهي إلى كتب العلم أقرب منها إلى المصاحف المجردة، ومن هنا وجدنا الذين استنسخوا المصاحف العثمانية لم يعتمدوا عليها، بل اعتمدوا على جمع أبي بكر، وجمع أبي بكر – كما هو معروف –، اعتمد على ما جُمع بين يدي النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومن هنا فقد عدلوا جميعا عن هذه المصاحف، وساروا على ما سار عليه الصحابة جميعاً، وهو جمع عثمان رضي الله عنه –، ووافقوا على مصاحف عثمان وما فيها من لفظ وترتيب، وترك ما سواها، فلو كان الترتيب بالاجتهاد لظلوا على اجتهادهم، وبهذا ظهر بطلان هذا القول. وأكد ذلك الآلوسي في مقدمة تفسيره. (¬4)
¬__________
(¬1) - شرح النووي على صحيح مسلم ج1/ ص61 - 62. ونيل الأوطار، محمد بن علي الشوكاني، تحقيق طه سعد، وزميله، مكتبة الكليات الأزهرية، 1298هـ: ج2/ ص237.
(¬2) - الإتقان ج1/ ص62.
(¬3) - الإتقان ج1/ 63.
(¬4) - انظر: مقدمة روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، أبو الفضل محمودالألوسي، دار إحياء التراث، بيروت: ج1/ ص27