وبهذا يتبين لنا جهل الجابري، وجهل كل من خاض في هذا الموضوع - من سُوقة العلمانيين والحداثيين ... أمثال: محمد أركون (¬2)، ونصر حامد أبو زيد (¬3)، وغيرهم من اللذين اعترضوا على كون ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر. فلا هَمَّ لهم إلا التشويش بجهل وحقد على تعاليم الاسلام، وأن الاسلام لم ينصف المرأة، مع أنه لم ينصفها تشريع غير التشريع الإسلامي.
تلك هي ثمرات استقراء حالات ومسائل الميراث في علم الفرائض (المواريث)، حددتها فلسفة الإسلام في التوريث، والتي لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة كما يحسب الكثيرون من الذين لا يعلمون.
والحكمة في هذا التفاوت،- في الحالات التي ترث فيها المرأة نصف الرجل -: هي أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى، هي زوجهُ مع أولادهما، بينما الأنثى الوارثة أخت الذكر، إعالتها مع أولادها فريضة على الذكر المقترن بها، فهي - مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة لأخيها الذي ورث ضعف ميراثها - أكثر حظًّا وامتيازاً منه في الميراث .. فميراثها - مع إعفائها من الإنفاق الواجب-، هو ذمة مالية خالصة ومُدَّخَرة، لجبر الاستضعاف الأنثوي، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات .. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين .. منهم: الجابري الذي يجيد فن " المُراوغة " في التنصل من أحكام ... الإسلام، أو نقدها، فيتظاهر بتقدير النص الشرعي، والأحكام المستنبطة منه، ثم يتنصل من ذلك، بأن يجعل مايراه عقله من " مصالح " هو الأصل الذي ينبغي أن تُحاكم إليه النصوص الشرعية، ولو كانت آيات محكمة من القرآن!! وبهذا يضمن الوصول لمبتغاه دون إثارة المسلمين. وإليك مثالاً لهذه الطريقة الماكرة، ثم قس عليه الأمثلة الأخرى لكل حكم شرعي لايوافق أهواء الجابري ومن يتابعه؛ لتعلم طريقته المُراوِغَة، وأن التظاهر بالتقديس للنص الشرعي، مجرد " جواز مرور " ... لتسهيل مهمة الهدم دون ضجيج ..
¬__________
(¬1) - انظر: د. صلاح الدين سلطان: ميراث المرأة وقضية المساواة، ص 10، 46. و انظر: حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ص556 - 559
(¬2) - عندما سئل محمد أركون عن كيفية التعامل مع قوله تعالى:" للذكر مثل حظ الأنثيين" (سورة النساء: 11) أجاب بأنه "لا يمكننا أن نستمر في قبول ألا يكون للمرأة قسمة عادلة، فعندما يستحيل تكييف النص مع العالم الحالي، عندما يكون منبثقا عن وضع اجتماعي لا يتناسب في شيء مع عالمنا الحاضر، ينبغي العمل على تغييره" ... انظر: إبراهيم محمد طه بويداين: التأويل بين ضوابط الأصوليين وقراءة المعاصرين ص204.
(¬3) - انظر: نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط3، 1995م: ص 244.