أما قوله " فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر- بسم الله الرحمن الرحيم – " فإن البسملة لا تخضع لهوى الكتاب إثباتا وحذفا، أخرج أبو داود والحاكم، وصححاه عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: " كان النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يعلم ختم السورة حتى ينزل: بسم الله الرحمن الرحيم "
وفي رواية: " فإذا نزلت – بسم الله الرحمن الرحيم – علم أن السورة قد انقضت "، قال الحافظ أبو شامة: هذا حديث حسن. (¬2) ... وإنما لم تذكر البسملة في أول سورة براءة " ليعلم أنه يخص من يشاء وما يشاء بما يشاء، ويفرد من يشاء وما يشاء بما يشاء، ليس لصُنعِهِ سبب، وليس له في أفعاله غَرضٌ ولا أَرَب " (¬3) .. ... وأما ما قاله المفسرون في أسباب عدم ذكرها هنا فهو التماس للحكمة. هذا وقد قام الإجماع على أن سورة الأنفال سورة برأسها غير سورة التوبة ... ... ولذا قال الزركشي: " إن سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة بإجماع أهل الحل والعقد " (¬4). ... فوضع السورة هذه بعد تلك، كان بوحي من الله تعالى، وأن حذف البسملة من أولها كان بوحي منه جل شأنه، إن القرآن الكريم كله آية آية، وسورة سورة، مرتب من الله تعالى، وقد بلغه عنه رسوله الأمين – صلى الله عليه وسلم – لصحابته الكرام، فرتبوه كما سمعوه.
القول الثالث:- وهو القول المختار -: إن ترتيب السور تمَّ بتوقيف من النبي – صلى الله عليه وسلم – على ما استقر في العرضة الأخيرة، وقال الألوسي عن هذا القول: إنه لجمهور العلماء (¬5)
¬__________
(¬1) - تفسير القرآن الحكيم، الشهير بتفسير المنار، محمد رشيد رضا، ط2، دار المنار، القاهرة: ج9/ ص585.
(¬2) - فتح الباري ج10/ ص410.
(¬3) - لطائف الإشارات لفنون القراءات، شهاب الدين القسطلاني، تحقيق عامر السيد، لجنة إحياء التراث الاسلامي، القاهرة: ج3/ ص5.
(¬4) - البرهان ج1/ص270.
(¬5) - مقدمة تفسير الألوسي ج1/ ص27.