ومما يُستأنس به أيضا على أن ترتيب السور توقيفي، هو: أن الحواميم رتبت وِلاءً، وكذا الطواسين، ولم ترتب المسبِّحات تباعاً، بل فصل بينهما بالمجادلة، والممتحنة، والمنافقون، وأفردت الإسراء في النصف الأول، وفصل بين الشعراء والقصص وهما يبدءان بـ " طسم " بـ " طس النمل " مع أنهما أقصر منها، ولو كان الترتيب اجتهاديا لذكرت المسبحات ولاءً، وأُخِّرَت " طس" عن " القصص "، أما وأنه قد حصل الفصل بين المتماثلات والمتقاربات من السور مع عدم التناسب في الطول والقصر، فهذا يدل على أن الترتيب توقيفي (¬2) .. يقول القرطبي: " وقال قوم من أهل العلم: إن تأليف سور القرآن على ما هو عليه في مصحفنا كان عن توقيف من النبي – صلى الله عليه وسلم – " (¬3)
ومهما يكن من أمر، وسواء أكان هذا الترتيب الذي نجده في المصاحف بطريق التوقيف أم بطريق الاجتهاد، فقد أجمعت الصحابةُ عليه، ومضت الأمة على قبوله، فيجب التمسكُ به، والإعراضُ عن الدعواتِ المشبوهة، لإعادة ترتيب المصحف حسب النزول أو الموضوع، أو غير ذلك مما يلهج به المستشرقون وتابعيهم، ولأن في ترتيب سُوَرهِ معانيَ لا تقل عن معاني الترتيب في آياته، جَدَّ كثير من العلماء في استنباطها وتحصيلها، فالعدول عن هذا الترتيب مخالف للإجماع، وفي ذلك مفاسد عظيمة، ويكفينا أنه ترتيب أجمع عليه الصحابة، والإخلال به يخالف هذا الإجماع. (¬4).
¬__________
(¬1) - الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي دار الكتب العلمية، بيروت: ج1/ ص59 - 60.
(¬2) -انظر: الإتقان، مكتبة دار التراث: ج1/ ص179.
(¬3) - تفسير القرطبي ج1/ ص60. وانظر: محمد بن محمد أبو شهبة: المدخل لدراسة القرآن الكريم، ص 285 - 297.ومحمد عبد العظيم الزرقاني: مناهل العرفان في علوم القرآن، ج1: ص 339 - 353. ود. أحمد السيد الكومي وزميله: فصل الخطاب في سلامة القرآن الكريم، ط2، البابي الحلبي، القاهرة ص 19 - 28. ومحمد طاهر بن عبد القادر الكردي: تاربخ القرآن، ص 71 - 79.
(¬4) انظر: دراسات في علوم القرآن د. فهد الرومي –ط5 - مكتبة التوبة، 124 الرياض: -125. وانظر: د. محمد بن محمد أبو شهبة: المدخل لدراسة القرآن الكريم، ط1، مكتبة السنة بالقاهرة، 1992م: ص: 297. وأ. د. فضل حسن عباس: إتقان البرهان في علوم القرآن، ط1، 1997م، دار الفرقان: ج1: ص429 - 437.