وأما يزيد فقد اختلفوا فيه، هل هو ابن هرمز أو غيره.؟ وقد ذكره البخاري في كتاب الضعفاء باسم يزيد الفارسي لاشتباهه فيه، وحيث أنه قد انفرد بهذا الحديث، فلا يحتج به في شأن القرآن الذي يطلب فيه التواتر (¬3) .. .
وقال الذهبي: " قال فيه النسائي وغيره: متروك، وقال الدارقطني وغيره: ضعيف، وقال أحمد: كان منكر الحديث." (¬4) فإذا كان الحديث بهذه المكانة من الضعف، ولم يرتضيه إلا القليل الذين قوموه، ولم يخرجوه عن أقل درجات القبول، فكيف نقبله.؟ وأمر القرآن الذي هو في أعلى درجات القمة نقلا ونظما وترتيبا .. ؟ (¬5) ... كما أن في متن الحديث اضطراباً، إذ أن ابن عباس يعجب كيف جعل عثمان براءة وهي من المئين، والأنفال وهي من المثاني بين الطوال، وهذا العجب يستقيم لو كانت يونس من الطوال، وأخرها عثمان عن براءة والأنفال، مع أن يونس أقصر من براءة وحدها، وإن كانت أطول من الأنفال، إذ أن سورة يونس ... (109 آيات) وسورة براءة (129 آية) فكيف يصح عجب ابن عباس .. ؟ وهذا كله مما يجعل الناظر في المسألة لا يعتمد صحة هذه الرواية. ... وثانيا: بقي علينا الكلام في حديث ابن عباس في اقتران براءة والأنفال – على فرض صحة هذه الرواية – فنقول: لقد استدل ابن كثير في فضائل القرآن، والبيهقي، والسيوطي، وغيرهم، بهذا الحديث على أن ترتيب سور القرآن ثابت بالتوقيف إلا الأنفال وبراءة، وهذا غير مُسَلَّم، إذ كيف نثبت في المصحف أمراً قائماًعلى الظن، ومن عثمان وحده .. ؟
وقوله: (فقبض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولم يبين لنا أنها منها) بعيد، إذ الأنفال نزلت في السنة الثانية عقب غزوة بدر، والتوبة نزلت في أواخر السنة التاسعة بعد تبوك، وبعد خروج أبي بكر للحج
¬__________
(¬1) - ميزان الاعتدال: محمد بن أحمد بن عثمان: تحقيق علي البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1382هـ ج2/ ص308 - 309.
(¬2) - صحيح مسلم ج1/ ص54.
(¬3) - الفتح الرباني ج18/ ص154 - 156.
(¬4) - ميزان الاعتدال،: ج3/ 308.
(¬5) - منهج الفرقان في علوم القرآن، محمد علي سلامة، القاهرة: ص 136.