ثم يبين أنه قد أخذ الميثاق على النصارى كما أخذه على اليهود، ولكن كما مرد أولئك على الكفر والعصيان سار هؤلاء على طريقتهم واستنّوا بسنّتهم السيئة، ومع ذلك فالله سبحانه يدعو من جاء بعدهم من أهل الكتاب للإيمان بهذا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ليبين لهم ما اختلفوا فيه، وما أخفوه من كتبهم، ويعفوا عن كثير مما كان عليهم، وبهذا يتم وفاؤهم بالميثاق الذي أخذه عليهم وعلى أسلافهم، وإلاّ فمصيرهم مصير من درج قلبهم، اللعّن والطّرد وقسوة القلوب، والعداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وهذا ما كان منهم، فتحقق وعد الله فيهم ويوم القيامة سوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون.
وفي آية أخرى يذكر الميثاق وإرسال الرسل، وهذا يقتضي منهم أن يأخذوا الميثاق ويؤمنوا بهؤلاء الرسل، ولكن الموقف هو الموقف، والأسلوب هو الأسلوب عند متقدّميهم ومتأخريهم (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) (المائدة:70) .
ويصف الله سبحانه الذين كذبوا الرسل وبما جاءوا به بالفسق وعدم الوفاء بالعهد وهي الخيانة بعينها: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) (الأعراف:102) .
وكما بيّن في سورة (آل عمران) أنه سبحانه قد أخذ الميثاق على النبيين يبين ذلك - مرة أخرى - في سورة الأحزاب ولكن بصيغة أخرى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (الأحزاب:7) وقد بيّنت أن هذا الميثاق يتضمن - كما أشارت آية آل عمران أن يصدق بعضهم بعضًا ويؤمن بعضهم ببعض.