ثم إن الآية تقول: (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ) (الأنفال: من الآية57) والثقف هو الظفر، ولم يكن ولا يمكن أن يكون بينهم وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أي حرب معلنة ظاهرة ما داموا مع المسلمين ظاهرًا.
وهذا لا يعني أنهم يخونوا عهدهم، ولكن هذه العهود كانت لآحادهم كأفراد من المسلمين الذين يعاهدون رسول الله ويبايعونه، ولم يكونوا يصارحون بنقض العهد، بل كانوا يبحثون عن الأعذار وما لا يدانون به ظاهرًا، من الأسباب التي تكون سترًا لغدرهم وخيانتهم. وهذا ما ذكره الله من سيرتهم في آيات كثيرة منها قوله تعالى في سورة التوبة: (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (التوبة: من الآية42).
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) (التوبة: من الآية49)، وقوله سبحانه في سورة الأحزاب: (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً) (الأحزاب: من الآية13).
وقوله بعدها: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً) (الأحزاب:15).
¬__________
(¬1) - انظر سيرة ابن هشام 3/371 وما قاله الرسول بعد الرجوع من غزوة بني المصطلق - المريسيع، إبّان فتنة المنافقين.