تدريسه وتأليفه لكتابه" الأم":
كان الشافعي جامعة علم في شتى الفنون، فكان يجلس في جامع تاج الجوامع في مصر بعد صلاة الفجر ويبدأ بالقرآن وعلومه فيأتيه علماء التفسير وعلوم القرآن الفطاحل ليتعلموا منه، فإذا انتهى تحوّل إلى الحديث فيأتيه علماء الحديث ليتعلموا منه وإذا فرغ انتقل إلى علوم اللغة وآدابها فيأتيه علماؤها يدرسون عنه وهكذا ... وفي مصر أعاد الشافعي النظر في" الرسالة" فجدد تأليفها - و" الرسالة" التي بين أيدي الناس اليوم هي" الرسالة" المؤلفة في مصر - كما أعاد النظر في كتابه" الحجة" فألّف بدله كتاب" الأم" وهو مجموع لكتب كثيرة جديدة ألّفها الشافعي في مصر وهذا الكتاب هو المعروف والمشهور في أيامنا. وتراجع الشافعي عن بعض مسائله الفرعية في العراق وأفتى بغيرها من هنا إذا قيل اليوم في المذهب الشافعي القديم فإنما يراد به أقواله في العراق المجموعة في كتابه" الحجة" وإذا قيل مذهب الشافعي الجديد فيراد به أقواله في مصر المجموعة في كتابه" الأم". وابتكر الشافعي كتبا - كما يقول الإمام النووي - لم يسبق إليها، منها: أصول الفقه وكتاب" القسامة" وكتاب" الجزية" وكتاب" أهل البغي" وغيرها.
فائدة: الفتوى اليوم هي على المذهب الجديد إلا في بعض المسائل التي لا تتجاوز العشرين مسألة حيث يفتى فيها بالقول القديم.
أدب الشافعي مع مخالفي مذهبه وعدم تعصبه:
الشافعي رضي اللّه عنه إن وجد نفسه يخالف في بعض آرائه الإمام مالك، لم يكن يعرّض لذلك ولم يكن يناقشه ولم يكن يتحدث حتى لا يضع نفسه من أستاذه موضع المناقش أو الرّاد على رأيه ولكن في الوقت نفسه يخالف بأدب. إلى أن بلغه أنّ في المغرب أناسا وصل بهم التقديس الأعمى للإمام مالك. فصاغ الشافعي هنا في هذا الوقت المتأخر من حياته" خلاف مالك" أي" خلافياتي مع مالك" وقال إنّ الإمام مالك بشر يصيب ويخطأ وهو أي الشافعي بشر يصيب ويخطأ وبدأ يناقش مسائل يرى خلافا فيها مع مالك. وفي كثير من الأحيان ذهب كثير من الأئمة العظام ضحية عصبية تلامذتهم وهذا في التاريخ كثير. قد يكون الإمام عظيما لكن له تلامذة يتعصبون ويتشنّجون.
من هنا كان الشافعي ينادي مرارا وتكرارا: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) يعني