أما بقية الأمم الكبيرة في فترة البعثة الشريفة فقد قرر الإسلام زوال إحداها وبقاء الأخرى في صراع مع المسلمين حتى قيام الساعة. والرسول صلى اللّه عليه وسلم وجه لذلك حين قرر في أحاديث عديدة إن بلاد الشام ((رباط)) المجاهدين، وأن أهل الشام في جهاد دائم إلى قيام الساعة. وهذا التوجيه النبوي يمكن ربطه بتوجيه نبوي آخر هو قوله صلى اللّه عليه وسلم:
((فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعد هذا والروم ذات القرون، كلما هلك قرن خلفه قرن أهل صبر، وأهله أهل لآخر الدهر. هم أصحابكم ما دام في العيش خير)) «1» .. وفي حديث آخر رواه موسى بن علي عن أبيه قال: ((قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (تقوم السّاعة والرّوم أكثر النّاس فقال له عمرو أبصر ما تقول قال أقول ما سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لئن قلت ذلك إنّ فيهم لخصالا أربعا إنّهم لأحلم النّاس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرّة بعد فرّة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك)) «2». والناظر في هذا التوجيه النبوي يلاحظ أمرين: الأول، قوة الارتباط بين موقع بلاد الشام كرباط دائم للمجاهدين إلى يوم القيامة، وبين استمرار المواجهة مع
______________________________
(1) كنز العمال، ج 12، ص 303، حديث رقم 35127، ومصنف ابن أبي شيبة، ج 4، ص 306، ومسند الحارث، ج 3، ص 713.
(2) صحيح مسلم، ج 18، باب الفتن (القاهرة: المطبعة المصرية ومكتبتها، بلا تاريخ)، ص 22.
مسلم، ج 4، ص 2222، مسند أحمد، ج 4، ص 230، معجم الأوسط - الطبراني، ج 8، ص 391.
معجم الكبير - الطبراني، ج 20، ص 310.