«1» كما سبق وأن أشرنا إلى قصة سورة الروم «2» تبين السبق القرآني في موضوع معركة حدثت بين الفرقتين، وهو قوله تعالى في سورة الروم الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4). لكن السنة النبوية ممثلة بالحديث الشريف فصلت ما كان وسيكون من أمرهم. فالروم لا يقتصر معناهم على رومان العصر القديم بل سيمتد تأثيرهم في الأرض وسيكونون مناطحين للمسلمين حتى قيام الساعة، وأما الفرس فسينحسر تأثيرهم ويدخلون الإسلام ويصبحون في صفه. وأما كلمة العجم فهي الأخرى لا تقتصر على الفرس كما يعتقد خطأ عند العامة بل يتعداه لكل ما هو غير عربي، وكما بينا في تعليقنا على معنى العجم في حديث المصطفى صلى اللّه عليه وسلم حول حصار العراق والشام.
ولو تدبرنا الآية الكريمة نجد أنها تنتهي بقوله جل وعلا لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ ... ، أي أن تقلب أحوال الأمم عند اللّه تعالى، وليس كما يقيسه البشر قبل وقوع الحدث أو وقته أو خلاله أو بعده. الأمر الذي يؤكد ما سبق وأن أشرناه في كلامنا في فصل الاستثناء العام والخاص.
لقد سنّ اللّه تعالى للبشرية سننا ونواميس وقوانين، منها أن قيادة الحضارة والمجتمعات البشرية تكون لأمة أو جماعة تملك من مقومات تشكل القيادة الحضارية كالمقومات المادية أو الروحية أو الاثنين معا وكما ذكرنا في البداية. فتشكل تلك الأمة حضارة لتفعل وتسن القوانين التي تكون شخصيتها فإن كانت توافق أوامر اللّه تعالى في
______________________________
(1) لتفاصيل أكثر حول هذا الموضوع أحيل أخي القارئ الكريم لكتابنا (القوانين القرآنية للحضارات)، وكذلك كتاب الأستاذ الفاضل الدكتور سفر الحوالي (يوم الغضب، هل بدأ بانتفاضة رجب).
(2) تجد في الكتاب الأول من سلسلتنا (ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية)، كتاب التاريخ والآثار، ما يفصل لك قصة هذه السورة.