لم يكن أحد من أهل الكتاب يشك في هذا إطلاقا، بل كانوا جميعا لشدة إيمانهم به ينتظرون المملكة الخامسة (مملكة اللّه) التي تدمر ممالك الشرك والكفر والظلم لا سيما المملكة الرابعة التي اضطهدتهم وأذاقت اليهود بالذات الذل والهوان ودمرت القدس سنة 70 ميلادية، ونصبت الأصنام في المسجد كما اشتهر عدد من أباطرتها بتعذيب النصارى بألوان من البشاعة والفظاعة قل نظيرها في التاريخ، وظلوا كذلك طيلة ثلاثة قرون حتى دخل قسطنطين النصرانية المحرفة، واستمر الاضطهاد لليهود والموحدين من النصارى وسائر الفرق الأخرى ..
وفي ذلك الجو القاتم من الاضطهاد كان أهل الكتاب ينتظرون المملكة الخامسة بفارغ الصبر، وكانوا يعلمون يقينا أنها ستقوم على يد نبي آخر الزمان المسمى عندهم (أركون السلام) الذي على كتفه خاتم النبوة، والذي بشر به الأنبياء كلهم حتى أن المهتدين من علماءهم جمعوا من سفر أشعياء وحده 30 بشرى به، وكانوا يعرفون زمن بعثته بكثير من الدلائل النصية والعلامات الكونية، ويترقبون تلك الدلائل والعلامات حتى جاء اليوم الذي قال فيه الإمبراطور المتعبد العالم بدينهم (هرقل): (قد ظهر ملك أمة الختان) وأيقن بذلك وشهد وهو زعيم الكفر الكتابي لزعيم الكفر الأمي أبو سفيان (بأن ملكه سيبلغ موضع قدمي)، كما ثبت في الحديث الصحيح المشهور.
وفعلا قامت المملكة الربانية الخامسة وملكت موضع قدمي هرقل وغادر الشام وهو يقول (سلام عليك يا سورية، سلام لا لقاء بعده)!! .. قامت هذه المملكة فسحقت ممالك الوثنيين وسيطرت على معظم المعمورة بالعدل والسلام وكانت مساحتها تزيد على مساحة القمر، ودخل تحت لواءها من كل شعوب الأرض طائف عظيمة، وهنا فقط تفرق