كنت تنظر إلى قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معا وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلا كبيرا وملأ الأرض كلها .. هذا هو الحلم، فنخبر بتعبيره قدام الملك:
أنت أيها الملك ملك الملوك لأن إله السماوات أعطاك مملكة واقتدارا وسلطانا وفخرا، وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعا، فأنت هذا الرأس من ذهب. وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض. ثم تكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأن الحديد يدك ويسحق كل شيء وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء. وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث أنك رأيت الحديد مختلطا بخزف الطين. وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف، فبعض المملكة يكون قويا والبعض قصما. وبما رأيت الحديد مختلطا بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف. وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبدا وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد. لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب .. اللّه العظيم قد عرّف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين .. حينئذ خر نبوخذ نصر على وجهه وسجد لدانيال وأمر بأن يقدموا له تقدمة وروائح سرور .. فأجاب الملك دانيال وقال: حقا إن إلهكم إله الآلهة ورب الملوك وكاشف الأسرار إذ استطعت على كشف هذا السر).
هذه هي نص الرؤيا التي توصف دائما بأنها أصدق وأشهر الرؤى الكتابية التاريخية، وتأويلها لا يحتاج إلى ذكاء، ولا يصح فيه الخلاف لأن النبي نفسه قد أوّلها، ولكن أهل الكتاب تعمدوا التلبيس وافتعلوا الاختلاف حسدا من عند أنفسهم