فهذا بول كينيدي واحد من كبار مؤرخيهم يذكر في كتابه (نشوء وتطور الامبراطوريات) بعد استعراضه لامبراطوريات التاريخ أن الولايات المتحدة أمامها 50 عاما كحد أقصى للبقاء في القمة.
4. إن أمريكا قد بلغت ذروة تقدمها المدني وتفوقها الحضاري على غيرها من الحضارات الجاهلية. وأنها اليوم تواجه صعود العوامل الحضارية الإسلامية في جولتها الجديدة غافلة عن أنها تختلف اختلافا جذريا عن مواجهتها مع الآخرين، وستعود وحقائق النفس الإنسانية إلى العمل وتتكفل بتبديد الكبرياء والغطرسة الأمريكية. ذلك لأن ابن آدم يبقى محكوما إلى بشريته، فيعطش عند وصول القمة، وتأخذه النشوة وتتملكه أحاسيس العجب فيفقد الاتزان، وهذه سنة اللّه في خلقه، ومن يقرأ التاريخ تتجسد أمامه هذه الحقيقة وهذا القانون بشكل جلي. والنخبة السياسية الأمريكية اليوم مرشحة جدا لأن تستولي عليها هذه السكرة الفطرية الملتصقة بكل مستنصر متفوق، وعن قريب سيكون القرار الأمريكي الخاطئ المتهور الذي يتسبب في نزول منحنى الخط البياني لهذه الحضارة التي سادت في هذا العصر، ثم يواصل النزول بفعل معارضة الأحرار في كل العالم، وتلك هي القصة القديمة الجديدة لصراع الحق مع الباطل والعدل مع الظلم والحرية مع الاستبداد، ولا يؤذن لجنرال يعيش في البنتاغون أن يعدو قدره «1».
قد يقول البعض إن هذا من باب الأماني، وأن الولايات المتحدة لا يمكن لها أن
______________________________
(1) هذا الكلام الرائع في هذه النقطة تحديدا للأستاذ الفاضل والمفكر والمحلل الإسلامي الكبير الأستاذ محمد أحمد الراشد، في لقاء معه أجرته جريدة البصائر العراقية، العدد 11، الثلاثاء 18/ شعبان/ 1424 ه - 14/ تشرين أول/ 2003 م، الصفحة الأخيرة.