أما الأعاصير والفيضانات فحدث ولا حرج، فمن أعاصير شرق آسيا إلى أعاصير الأمريكيتين وشمال أوربا التي تكلف بلدانها مليارات الدولارات. ثم هناك البراكين وخسف الأرض وانجراف التربة. كذلك لا ننسى النيازك التي تسقط بالآلاف على الأرض، ومن أهمها الذي سقط على روسيا في بداية القرن العشرين الميلادي وهو نيزك تونجوسكا الذي عادلت قوة ضربه للأرض عدة قنابل نووية من قياس هوروشيما وناكازاكي، وذلك الذي ضرب أريزونا بالولايات المتحدة فأحدث فتحة قطرها 70 كلم.
كل تلك الأحداث تبين بما لا يدع مجالا للشك بأن الكوارث الطبيعية المحدقة بالأرض على درجة كبيرة من الخطورة والأهمية، وأن البشر مهما وصلوا من تقنيات وتطور ليس بإمكانهم مقارعة تلك الكوارث المرعبة. ولعل ما أبلغت عنه وزيرة البيئة الأمريكية بعد زلزال لوس أنجلوس 1994 م الذي دمر أجزاء كبيرة من المدينة ومدن أخرى أبلغ من الوصف، فقد قالت (لقد لعبت بنا الطبيعة ووقفت كل تقنياتنا أمامها عاجزة كالطفل)، .. لذلك فكل مظاهر الجمال والتطور والرقي والتمدن الرائعة التي نراها أمامنا اليوم على سطح الأرض من مدن وقرى وحضارات لم تصل لها البشرية من قبل لن يمنع الكارثة إذا ما حلت. ولعل المتتبع للنص القرآني يجد في الأمر ربطا عجيبا، فاللّه تعالى يقول في محكم كتابه: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَاكُلُ النَّاسُ والْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وازَّيَّنَتْ وظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)، (يونس: 24)، فالمثل القرآني هنا أكبر من كونه يتعلق بحاصل زراعي خلاب نضج وحان قطافه فحلت به الكارثة بعد اطمئنان أهله عليه، إنما المثل ينسحب على الحياة الأرضية برمتها وانقضاء أجلها بعد ما تأخذ الأرض كامل زينتها وتلبس كامل حلتها، واللّه أعلم.
______________________________
(1) الإيجاز في آيات الإعجاز، (الطبيب الشيخ محمد أبي اليسر عابدين رحمة اللّه تعالى)، طبع دار البشائر، دمشق، سوريا وهو من مطبوعات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، 1419 ه - 1999 م، ص 97 - 98، بتصرف.