هذا يصور لنا كيف كان أدب وتعظيم أئمة المسلمين بعضهم لبعض ونظر كل واحد منهم إلى الآخر على أنه إمام وحجة. أما اليوم فللأسف كثير ممن يدّعون حب إمام من الأئمة يسفّهون أو ينتقدون إماما آخر. وقد أنبأنا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن هذا الداء الخطير وأنه من أشراط الساعة أن يلعن آخر هذه الأمة أولها.
أسفاره وزيارته مصر:
لقد طاف الشافعي في آفاق العالم الإسلامي، ولم يترك بقعة إلا زارها من الحجاز حتى أقصى الشرق والشمال ولكنه لم يأت مصر بعد. ومصر مهد عريق في الحضارة والعلم وهي في الوقت عينه مجتمع علماء فحول وفضلا عن ذلك هي مدرسة إمامه وشيخه الليث بن سعد. وبينما إمامنا العظيم في تطلعه هذا إذ جاءته دعوة كريمة لزيارة مصر فوافقت هوى قلبه ونفسه وكانت الدعوة من أحد تلامذته ومحبّيه، الفقيه العالم، والتاجر الواسع الثراء" ابن عبد الحكم". فشد الشافعي رحاله على الفور وكان وداع الناس والعلماء خاصة له في بغداد مؤثرا جدا. كانوا يبكون ويحاولون إقناعه بالبقاء خصوصا الإمام أحمد ... وامتدت إقامة الشافعي في مصر خمس سنوات حيث استقبل استقبالا حافلا من مختلف الطبقات إذ سبقه صيته إلى هناك وحاول الكثيرون أن يستفيدوا من ضيافتهم له فعرضوا عليه الإقامة عندهم من الوالي حتى أقل الناس شأنا ولكن الشافعي آثر التشبه برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين هاجر إلى المدينة المنورة فنزل عند أقارب أمه ... وكان أول ما فعله الشافعي أن قام بزيارة قبر الإمام الليث بن سعد ووقف عند القبر خاشعا يردد ويقول: للّه درّك يا إمام ... لقد حزت أربع خصال لم يكملن لعالم: العلم والعمل والزهد والكرم.
لقاؤه السيدة نفيسة وأخذه عنها العلم:
كانت السيدة نفيسة رضي اللّه عنها حفيدة الحسن بن علي والحسين بن علي رضي اللّه عنهم موئل علم ودين وتقوى، تقيم في مصر، وكان الشافعي يعرف مقدارها ومكانتها. فاستأذن في زيارتها فأذنت له ورحبت