فأرسل المأمون ثانية أمرا بقطع أرزاق من لم يقتنع وإرساله إليه مقيدا بالأغلال تحت تهديد القتل. وكان الإمام أحمد من بين الثلة التي رفضت أن تقتنع ولم تتراجع، فقيّدوا جميعا بالأغلال وذهب بهم إلى طرطوس. وفي الطريق تراجع البعض خوفا ومات البعض الآخر ولم يبق إلا أحمد الذي جاءه خادم المأمون وقال له: إنّ المأمون أقسم على قتلك إن لم تجبه. ولكن أحمد رفض التراجع عن الحق وبينما هو في الطريق لا يفصله عن المأمون إلا ساعات من السّير، إذ جثى على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء ودعا بهذه الكلمات: سيدي غرّ حلمك هذا الفاجر حتى تجرّأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فألقنا مؤنته. توفي المأمون قبل أن يصل أحمد إلى طرطوس فأعيد الإمام أحمد وأودع السجن ريثما تستقر الأمور. وجاء بعد ذلك المعتصم ولكن المأمون كان قبيل موته قد أوصى أخاه أن يقرّب ابن أبي ذؤاد المعتزلي منه. لذلك لما استقر الأمر للمعتصم استدعى الإمام أحمد وهو مثقل بالحديد وكان عنده ثلة من المعتزلة على رأسهم ابن أبي ذؤاد الذي كان يضمر كيدا شديدا لأحمد، وسأله: ما تقول في خلق القرآن؟ قال: أقول إنه كلام اللّه. قال: أ قديم أم حادث؟ قال: ما تقول في علم اللّه؟ فسكت أبو ذؤاد. قال أحمد: القرآن من علم اللّه ومن قال إنّ علم اللّه حادث فقد كفر! وطلب المعتصم أن يناقشوه وكاد أن يقتنع بقول أحمد ولكن قال له المعتزلة وابن أبي ذؤاد إنه لضال مبتدع. عرض المعتصم على الإمام أحمد أن يرجع عما يقول مغريا
185 سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية الصفحة
فبراير 17, 2021
الرئيسية >فأرسل المأمون ثانية أمرا بقطع أرزاق من لم يقتنع وإرساله إليه مقيدا بالأغلال تحت تهديد القتل. وكان الإمام أحمد من بين الثلة التي رفضت أن تقتنع ولم تتراجع، فقيّدوا جميعا بالأغلال وذهب بهم إلى طرطوس. وفي الطريق تراجع البعض خوفا ومات البعض الآخر ولم يبق إلا أحمد الذي جاءه خادم المأمون وقال له: إنّ المأمون أقسم على قتلك إن لم تجبه. ولكن أحمد رفض التراجع عن الحق وبينما هو في الطريق لا يفصله عن المأمون إلا ساعات من السّير، إذ جثى على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء ودعا بهذه الكلمات: سيدي غرّ حلمك هذا الفاجر حتى تجرّأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فألقنا مؤنته. توفي المأمون قبل أن يصل أحمد إلى طرطوس فأعيد الإمام أحمد وأودع السجن ريثما تستقر الأمور. وجاء بعد ذلك المعتصم ولكن المأمون كان قبيل موته قد أوصى أخاه أن يقرّب ابن أبي ذؤاد المعتزلي منه. لذلك لما استقر الأمر للمعتصم استدعى الإمام أحمد وهو مثقل بالحديد وكان عنده ثلة من المعتزلة على رأسهم ابن أبي ذؤاد الذي كان يضمر كيدا شديدا لأحمد، وسأله: ما تقول في خلق القرآن؟ قال: أقول إنه كلام اللّه. قال: أ قديم أم حادث؟ قال: ما تقول في علم اللّه؟ فسكت أبو ذؤاد. قال أحمد: القرآن من علم اللّه ومن قال إنّ علم اللّه حادث فقد كفر! وطلب المعتصم أن يناقشوه وكاد أن يقتنع بقول أحمد ولكن قال له المعتزلة وابن أبي ذؤاد إنه لضال مبتدع. عرض المعتصم على الإمام أحمد أن يرجع عما يقول مغريا