وكان كثير التواضع هيّنا طريا ولكن كان الواحد إذا نظر إليه تذكر اللّه تعالى. لقد ألبسه اللّه عز وجل ملابس هيبته فقام مستعزا بعزة اللّه تعالى. وكان بعيدا جدا عن الخوض في الفلسفة وذلك أنّ الفلسفة في عصره كانت في بدايتها، ثم طبق العلماء قاعدة:
خذ الحكمة ولا تبالي من أي وعاء خرجت. وكان الإمام أحمد يعيش بعيدا عن أمور الفلسفة وشغل نفسه بالأحاديث وآثار الصحابة، حتى أنّ من ترجم له قال: إنّ الإمام أحمد من طبقة الصحابة معنويا وإن جاء متأخرا إلا أنه في طبعه وسلوكه وعقيدته وحياته العامة أشبه ما يكون بالصحابة. وقال بعض العلماء لو كان الإمام أحمد في عصر بني إسرائيل لاحتمل أن يكون نبيا!. سئل الشافعي عمن يصلح للقضاء فأشار إلى أحمد الذي قال:" أنا أجلس في مجلسك لكي يزيد فيّ العلم زهدا في الدنيا وأنت تطلبني للقضاء!!!؟ ". ولقد كان عاملا بأحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو الذي يروي: كل معروف صدقة ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ... فطبّق هذا الحديث على نفسه، فكان لا يلقى الناس إلا مبتسما ويقدمهم عليه إذا مشوا في الطريق أو دخلوا مكانا أو اصطفوا لصلاة الجماعة. وكان إذا قرأ القرآن أو صلى ودخل عليه أحد سكت على الفور وإذا خرج من عنده عاد لصلاته وقراءته وذلك خشية الرياء. وكان مستجاب الدعوة.
ومن الجدير بالذكر أنّ الشافعي قبل وفاته كان قد أرسل برسالة مع الربيع إلى الإمام أحمد قبل وفاته جاء فيها: لقد رأيت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في المنام في الرؤيا وقال لي أبلغ أحمد بن حنبل عني السلام وقل له إنه مدعو إلى محنة وفتنة سيدعى فيها إلى القول بخلق القرآن وسيثبت على الحق وإنّ اللّه تعالى سيرفع له علما بذلك إلى قيام الساعة.
وأعطى الإمام أحمد قميصه الذي يلي جسده للربيع على هذه البشرى فقال له الشافعي:
لن أطالبك بالقميص (رحمة به ولعلمه أن الربيع لا يؤثر على بركة قميص الإمام أحمد أحدا) ولكن بله بالماء ثم أعطني الماء حتى أتبرّك به.
محنته العظيمة:
عاش الإمام أحمد في عصر المأمون ثم المعتصم ثم الواثق ثم المتوكل. في هذه العصور، كانت صولة المعتزلة وجولتهم في أعلى ذروتها لا سيما في عصر المأمون. وكان المأمون تلميذا لأبي هذيل العلاف من رؤساء المعتزلة، فافتتن بالفلسفة