وبرغم ذلك أقبل أحمد على الناس في السجن يعلّمهم ويهديهم.
أمر ابن أبي ذؤاد بنقله إلى سجن خاص حيث ضاعفوا له القيود والأغلال وأقاموا عليه سجانين غلاظ شداد، وكم سالت دماؤه الزكية وكم أهين وهو رغم هذا كله يرفض أن يذعن لغير قول الحق ولو كلفه ذلك حياته. وبعد مرور عامين ونصف على هذه المعاناة وهذه المحنة، أوشكت الثورة أن تشتعل في بغداد نقمة على الخليفة المعتصم وابن أبي ذؤاد، فقد وقف الفقهاء على باب المعتصم يصرخون: أ يضرب سيدنا! أ يضرب سيدنا! أ يضرب سيدنا! فلم يجد المعتصم بدا من إطلاق سراحه وأعيد إلى بيته يعالج جراحه. ولما سئل عن المعتصم دعا له بالرحمة وأن يعفو اللّه تعالى عنه وقال إنه يستحي أن يأتي يوم القيامة وله حق على أحد!. ثم تولى الواثق الحكم وحاول ابن أبي ذؤاد إقناعه بموضوع خلق القرآن ولكن خشي الفتنة. أما المتوكل فكان من أهل السنّة وحاول أن يكرم الإمام أحمد وأن يصله ولكنه رفض شاكرا ولقد ندم المعتصم على ما وقع منه وكان يرسل كل يوم من يطمئن على حاله، بينما ابتلي ابن أبي ذؤاد بالفالج الذي أقعده أربع سنوات واسترد منه المتوكل كل أمواله التي تعدّ بالملايين. وكان الإمام أحمد يصلي من الليل قبل ضربه 300 ركعة وبعد مرضه الشديد صار يصلي 150 ركعة.
موقفه من الحكم والدولة:
كان بإمكان الإمام أحمد أن يفتي الناس بكفر الخليفة أثناء حكم المأمون أو المعتصم وكيف يفعل ذلك وهو يراقب اللّه تعالى في كل لحظة، فكان يقول أنه لا يجوز الخروج على إمام المسلمين برا كان أو فاجرا ما دام مسلما وهذا هو قول الجمهور وباقي الأئمة.
مسند الإمام أحمد:
بدأ بجمع مسنده منذ أن كان عمره ستة عشر سنة، فسجل الأحاديث بأسانيدها، في أوراق منثورة وظل على هذه الحال إلى أن قارب الوفاة. ولما شعر بدنو أجله بدأ يجمعها ويحذف منها ... وأملى هذه الأحاديث كلها على أولاده وأهل بيته وأنبأهم بالعمل الذي قام به ولعله أوصى ابنه عبد اللّه أن ينهض بجمع هذه