سبحان اللّه أو صار علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يؤخّذ بالرسائل؟!!! قال الشافعي: فرأيت الوالي قد تهيّب أن يكلّمه فتقدمت وقلت:" أصلحك اللّه ... إني رجل مطلبيّ من بني المطّلب وحدّثته عن حالتي وقضيتي فلما سمع كلامي نظر إلي وكان لمالك فراسة فقال:
ما اسمك؟ قلت: محمد، فقال:" يا محمد إنه سيكون لك شأن وأي شأن، إنّ اللّه تعالى قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بالمعصية. إذا جاء الغد تجيء مصطحبا معك ما تقرأ به. وطلب منه أن يأتي بمن يقرأ له الموطأ لصغر سنه ولكن الشافعي جاءه في اليوم الثاني ومعه الموطأ وبدأ يقرأ عن ظهر غيب والكتاب في يده. وكلما قرأ قليلا تهيّب مالكا وأراد أن يقطع ولكن أعجب مالك حسن قراءته وإعرابه فقال: زد يا فتى، حتى قرأ عليه الموطأ في أيام يسيرة. قال مالك عنه: ما يأتيني قرشي أفهم من هذا الغلام، وقال:
إن يك يفلح فهذا الغلام.
ولازم الشافعي مالكا تسعة أعوام ولم ينقطع عنه إلا لزيارة أمّه أو لرحلة علمية وكان قد ذهب في بعض الرحلات إلى العراق وحصل ثروة من علم أبي حنيفة. وتلقى الشافعي علومه من مالك ومن باقي علماء المدينة. وكانت المدينة أجلّ بلد حافظ على الطابع الإسلامي الأصيل، وأكثر الصحابة كانوا فيها، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بعد رجوعه من حنين ترك فيها نحو اثني عشر ألف صحابي، لبث فيها نحو عشرة آلاف، ثم ماتوا فيها وتفرّق في سائر الأقطار نحو ألفين. وما كان يوثق بعلم العالم في جميع أقطار الخلافة الإسلامية إلا أن يؤم المدينة، يختلف إلى علمائها ويروي عن حفاظها.
وفي إحدى رحلات الشافعي العلمية غاب عن المدينة زهاء عامين وكان دائم السؤال عن شيخه مالك، ويوم عاد دخل الحرم النبوي وتهيّأ للجلوس في حلقة مالك وما هي إلا
