وأجازه شيخ الحرم الإمام مسلم بن خالد الزنجي وكان أول من أجازه فقال له وهو غلام: أنت يا أبا عبد اللّه واللّه لقد آن لك أن تفتي. ولكن الشافعي مع هذا رفض أن يفتي وكيف يفعل ذلك وهو يعتبر أنّ سلّم العلم ما زال طويلا، وكيف يفعل ذلك والإمام مالك في المدينة وقد سمع من حديثه عند ما جاء حاجّا إلى بيت اللّه الحرام؟!!!.
وأدرك الشافعي ما عند مالك من علم واسع وأحب لقاءه ولكنه تهيّب أن يرحل إليه قبل أن يأخذ من علومه شيئا، فأقبل على الموطأ فحفظه غيبا ولم يكن يملك ثمنه فاستعاره وحفظه. وخشي أن لا يستقبله الإمام مالك لحداثة سنّه فلقد اشتهر عن مالك أنه رغم سماحته وطيب خلقه كان صارما في العمل ولا يبيح وقته للناس ولا يستقبل من يطرق بابه خلال راحته في داره. ولكن الشافعي الشاب المتوقد المتوهج المتعطش إلى غرف العلم لا يشبع نهمه الجلوس في حلقات درس مالك في المسجد ولكنه يريد أن يتفرّد بلقائه. فتوسطت له أمّه عند والي مكة، فأرسل معه رسالة إلى والي المدينة. فلما وصلت الرسالة إلى والي المدينة وقرأها قال: يا فتى إنّ مشيي من جوف مكة إلى جوف المدينة حافيا راحلا أهون عليّ من المشي إلى باب مالك، فلست أرى الذل حتى أقف على بابه! ... فقال الشافعي: أصلح اللّه الأمير، إن رأى الأمير يوجه إليه ليحضر. فقال الأمير: هيهات، ليت أني لو ركبت أنا ومن معي وأصابنا من تراب العتيق (حي يسكنه مالك) نلنا بعض حاجتنا. وواعده على الذهاب إلى مالك في وقت العصر. ويروي
