ولإيماني بكتاب ربي طفقت أبحث عن العلاج بين سوره وآياته، فوجدت ذلك جليًا واضحًا، فقد أثار انتباهي كثرة الآيات التي وردت في قضية العهد والميثاق، وشمولها لجميع العصور والأزمنة، منذ أن خلق الله أبانا آدم - عليه السلام - وأخرج الذرية من ظهره فأخذ عليهم العهد والميثاق، إلى رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وما جرى على يديه من عهود ومواثيق، بل إن ما يشدّ الانتباه في حديث القرآن عن العهد والميثاق عدم اقتصاره على جانب معين، بل إنّه يتحدث عن العهد والميثاق في جوانب التوحيد والعبادة، ويتحدث عنه في جانب العلاقات الدولية وهكذا، إلى أخصّ أمور الناس كحديثه عن الميثاق في العلاقات الزوجية، وعلاقة الابن بأبيه كقصة يعقوب وبنيه.
ومن هنا ولتخصصي في القرآن وعلومه جاء اختياري لموضوع العهد والميثاق في القرآن الكريم، ورأيت أن هذا موضوع يحتاج إلى جهد وبيان، ودراسة وتوثيق.
ولقد شعرت بصعوبة الموضوع ومشقته، وجلست قرابة ستة أشهر أفكر فيه ومدى قدرتي عليه، فاستشرت (¬1) واستخرت ثم عزمت وعلى الله توكلت.
وبعد أن استوعبت الموضوع من خلال تنقلي بين المصادر والمراجع واستشارة ذوي الاختصاص وضعت مخططًا عامًا ثم نقحته بعد ذلك أثناء شروعي في كتابة الموضوع حتى أصبح بشكله النهائي الذي هو عليه الآن.
وقد رأيت أن أقسّمه إلى مباحث دون الفصول والأبواب، لأن ذلك هو الأقرب إلى التفسير الموضوعي، وبالأخص مثل هذا الموضوع (العهد والميثاق) وتحت كل مبحث عدد من الفقرات والجزئيات. وقد جاء البحث في أربعة مباحث وخاتمة كما يلي:
المبحث الأول:
¬__________
(¬1) - ممن أشار بهذا الموضوع أستاذي د. أحمد حسن فرحات، والأستاذ الدكتور مصطفى مسلم حيث ساعدني أيضًا في وضع المخطط، فلهما مني جزيل الشكر والتقدير.