وقوله: واشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ قال ابن عباس: أي اطبع عليها. وهذه دعوة غضب للّه تعالى ولدينه ولبراهينه، فاستجاب اللّه تعالى لها وحققها وتقبلها كما استجاب لنوح في قومه حيث قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ ولا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27)، ولهذا قال تعالى مخاطبا لموسى حين دعا على فرعون وملئه وأمن أخوه هارون على دعائه فنزل ذلك منزلة الداعى أيضا: قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما ولا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89) قال المفسرون وغيرهم من أهل الكتاب: استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم، فأذن لهم، وهو كاره، ولكنهم تجهزوا للخروج وتأهبوا له، وإنما كان في نفس الأمر مكيدة بفرعون وجنوده ليتخلصوا منهم ويخرجوا عنهم، وأمرهم اللّه تعالى، فيما ذكره أهل الكتاب، أن يستعيروا حليا منهم فأعاروهم شيئا كثيرا، فخرجوا بليل، فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم طالبين بلاد الشام، فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق، واشتد غضبه عليهم، وشرع في استحثاث جيشه وجمع جنوده ليلحقهم ويمحقهم.
قال اللّه تعالى في سورة الشعراء:* وأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وعُيُونٍ (57) وكُنُوزٍ ومَقامٍ كَرِيمٍ (58) كَذلِكَ وأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَراءَا