هو مرضٌ نفسيٌّ، أو هو مرضٌ وظيفيٌّ، ليس له أساسٌ عضويٌّ، في العُصابِ توترٌ نفسيٌّ مع احتفاظِ الشخصِ بسلامةِ قُواه العقليةِ؟
يقولُ علماءُ النفسِ: "إنّ من أهمِّ أنواعِ العُصاب عُصابَ القلقِ، وهو أكثرُ العُصاباتِ انتشاراً، يكونُ مؤقّتاً، ويكون مستمراً عَرَّفَهُ بعضُهم بأنه شعورٌ معمَّمٌ بالانزعاجِ البغيضِ، وتَرَقُّبِ الخطرِ، والخوفِ الناجمِ عن خطرٍ متوقَّعٍ مجهولِ المصدرِ".
اطَّلَعَ أحدُ الأدباءِ الكبارِ على مذكراتِ صديقٍ له من أهلِ الغِنَى، واليسارِ، والجاهِ، والشأنِ، يقولُ هذا الغنيُّ الكبيرُ: "إنني أعيشُ في خوفٍ دائمٍ، في رعبٍ من الناسِ، والأشياءِ، ورعبٍ مِن نفسي، لا الثروةُ أعطتْنِي الطمأنينةَ، ولا المركزُ الممتازُ أعطانِيهَا، ولا الصحّةُ، ولا الرجولةُ، ولا المرأةُ، ولا الحبُّ، ولا السهراتُ الحمراءُ، ضِقْتُ بكلِّ شيءٍ بعدَ أنْ جرَّبتُ كلَّ شيءٍ، إنني أكرهُ نفسي، وأخافُ من نفسي، ألا ترى الأشباحَ مِن حَوْلي؟ ألا تحسُّ بالخوفِ يفتحُ فمُه لِيَلْتَهِمَنِي؟ لِمَ هذا الخوفُ؟ الهمومُ ليست لي هموماً، إنّ كلَّ شيءٍ بين يديَّ، فلماذا أنا خائفٌ إذاً؟ ربما كنتُ خائفاً لأنه لا يوجدُ شيء أخافُ منه، إنني خائفٌ من المجهولِ الذي لا أعرفهُ، إنني تائهٌ في الحياةِ، لأنني بلغتُ قمةَ الحياةِ، إن الحياةَ الآن هي عَدُوِّي الأولُ، إنني أخافُ من الحياةِ نفسِها".
يقولُ علماءُ النفسِ، وهم يتحدَّثون عن حاجاتِ الإنسانِ: "الإنسانُ بحاجةٍ إلى الأمنِ، ولكنْ أين هو الأمنُ؟ سيوفُ الأمراضِ المُسَلَّطةِ على الناسِ لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، خوفٌ من الورمِ الخبيثِ، خوفٌ من أزمةٍ قلبيةٍ، خوفٌ من عجزٍ، خوفٌ من شللٍ، خوفٌ على الرزقِ الناسُ بحاجةٍ إلى الأمن، وبحاجةٍ إلى النجاحِ، وبحاجةٍ إلى الحبِّ"، وقد أغفلَ علماءُ النفسِ أنَّ الإنسانَ قَبْلَ كلِّ هذه الحاجاتِ بحاجةٍ إلى الإيمانٍ، لأنك إذا آمنتَ اطمأنَنْتَ، أحببتَ الخَلْقَ كلَّهم، لأنهم عِيَالُ اللهِ، وإذا آمنتَ نجحتَ في تحقيقِ سرِّ وجودِك.