مِن الآياتِ الدالةِ على عظمةِ اللهِ عز وجل، والتي بينَ جوانحِنا، وفي أجسامِنا، هذه الكليةُ، وجسمُ الإنسانِ أقربُ شيءٍ إليه، قال تعالى: {وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] .
مِن وظائفِ الكليةِ طرحُ الملحِ الزائدِ، فالملحُ نسبةٌ دقيقةٌ في الدمِ، إنْ نَقصَتْ عنها، أو زادتْ هَلَكَ الإنسانُ، هو يأكلُ بلا حسابٍ، قد يأكلُ أكلاً مالحاً، وقد يأكلُ بعضَ الأكلاتِ التي فيها ملحٌ زائدٌ، هو يأكلُ كما يشتهي، ولكنَّ نسبةَ الملحِ في الدمِ يجبُ أن تكونَ بين سبعةٍ إلى ثمانيةٍ في الألفِ، فإنْ نقصتْ أو زادتْ هَلََكَ الإنسانُ، وكانت حياتُه في خطرٍ، لذلك هذه الكليةُ التي ترَاها صغيرةً تقومُ بعملٍ كبيرٍ، وعملٍ تتوقفُ عليه حياةُ الإنسانِ، إنّها مسؤولةٌ عن طرحِ الملحِ الزائدِ في الدمِ.
هي الحارسُ الأمينُ للجسمِ مِن زيادةِ الملحِ والسكرِ، يساعدُها في ذلك الدماغُ الذي يصدرُ الأوامرَ إلى كلِّ أعضاءِ الجسمِ.
مِن أدقِّ الأمثلةِ على عملِ الكليةِ أنه عندما يتناولُ الإنسانُ كميةً زائدةَ من الملحِ، ولا سيما في بعضِ الأكلاتِ، عندئذٍ تأتي إشارةٌ إلى الدماغِ بأنّ هذا الملحَ قد زادَ على حدِّه، فيرسلُ الدماغُ أمراً هرمونياً عن طريقِ الغدةِ النخاميةِ بأنْ تتوقفَ الكليةُ عن طرحِ الماءِ في حجيراتِها الاحتياطيةِ، ففي الكليةِ حجيراتٌ احتياطيةٌ فيها ماءٌ، فتأمرُ الغدةُ النخاميةُ عن طريقِ الهرموناتِ الكليةَ بالتوقُّفِ عن طرحِ الماءِ الزائدِ في حجيراتِها، لماذا؟ لأنّ الملحَ تزدادُ كثافتُه، وإذا زادْت كثافتُه فإنه يهدِّد حياةَ الإنسانِ، عندئذٍ يرسلُ القلبُ نداءً عن طريقِ هرمونٍ آخرَ إلى الأجهزةِ الهضميةِ فتثيرُ في الإنسانِ العطشَ الشديدَ، وما مِن أكلةٍ مالحةٍ إلا وتحتاجُ إلى ماءٍ كثيرٍ بعدَها، هذا شيءٌ ثابتٌ.