إذا أُصيبَ الإنسانُ بمرضِ السكرِ، كيف يعرفُ ذلك؟ من وجودِ السكرِ في البولِ، معنى ذلك أن الكليةَ تأخذُ نسبةً نظاميةً للسكرِ، وتطرحُ الباقي مع البولِ، وإذا أكلَ الإنسانُ ملحاً كثيراً، وفَحَصْنَا بولَه، وجدْنا أنَّ جزءاً من هذا الملحِ طُرِحَ مع البولِ.
إن الكلية، كما قال بعضُ العلماءِ: "تتيحُ لك أنْ تأكلَ كلَّ شيءٍ، ولو ارتفعتْ نسبةُ الأملاحِ في الدمِ على ثمانيةٍ بالألفِ لَمَاتَ الإنسانُ"، فمَن الذي يضمنُ ثباتَ هذه النسبةِ في الدمِ؟ إنهما الكليتان.
إذاً فالكليةُ مصفاةٌ عاقلةٌ، كما وَصَفَهَا بعضُ العلماءِ، تأخذُ نِسباً نظاميةً، وما بقي من هذه النسبِ النظاميةِ مِن نسبٍ زائدةٍ، من سكرياتٍ، وأملاحٍ، ومن بقايا أدويةٍ، فإنها تُطرَح في البولِ، فيتغير لونُه، فلأنّ هذا الدواءَ مادةٌ غريبةٌ؛ فإنّ الكليةَ تطرحُها مباشرةً.
فهذه الكليةُ التي لا تزيدُ حجمُها على الكمثرى تعملُ بصمتٍ، وبلا مقابلٍ، وبلا أجرٍ، وبلا تعطيلٍ عن العملِ، فالإنسانُ يعملُ، وينامُ، ويدرسُ، ويتاجرُ ويبيعُ، ويشتري، ويسافرُ، وهذه الكليةُ تعملُ بصمتٍ، حيث يدخلُ الدمُ إلى الكليتين ستّاً وثلاثين مرةً في اليومِ الواحدِ، بخلافِ المشقةِ التي يعانيها الإنسانُ إذَا ذهب ليصفِّيَ دمَه في كُليةٍ صناعةٍ، وفوقَ هذا وذاك اكتشفَ العلماءُ أنّ الكليتين غدّتان ذواتا إفرازٍ داخليٍّ، أي إنّهما تفرزانِ هرموناتٍ تضبطُ ضغطَ الدمِ.
إذا التهبتْ كليةُ الإنسانِ يختلُّ ضغطُه، فتفرزُ هذه الكليةُ هرموناتٍ لتنظيمِ ضغطِ الدمِ، وتفرزُ هرموناتٍ لتلاشي فقرِ الدمِ، وتفرزُ هرموناتٍ لضبطِ السوائلِ.
وإذا أصابَ الكليةَ التهابٌ اضطربَ ميزانُ السوائلِ، ولو اضطربَ ميزانُ السوائلِ لوجبَ أنْ يبقى الإنسانُ إلى جانبِ الصنبورِ، والمرحاضِ طوالِ حياتِه، ألا يقتضي ذلك أن يشكرَ الإنسانُ ربَّه على نعمةِ الكليةِ؟