وهذا الكلام في هذا المقام من أعلى مقامات التلطف والاحتراز والعقل التام، وقوله:
يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ يحذرهم أن يسلبوا هذا الملك العزيز، فإنه ما تعرضت الدول للدين إلا سلبوا ملكهم، وذلوا بعد عزهم، وكذا وقع لآل فرعون، ما زالوا في شك وريب ومخالفة ومعاندة لما جاءهم موسى به، حتى أخرجهم اللّه مما كانوا فيه من الملك والأملاك والدور والقصور والنعمة والحبور، ثم حولوا إلى البحر مهانين، ونقلت أرواحهم بعد العلو والرفعة إلى أسفل السافلين، ولهذا قال هذا الرجل المؤمن المصدق البار الراشد التابع للحق الناصح لقومه الكامل العقل: يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ أي عالين على الناس حاكمين عليهم فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَاسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا أي لو كنتم أضعاف ما أنتم فيه من العدد والعدة والقوة والشدة لما نفعنا ذلك، ولا رد عنا بأس مالك الممالك قالَ فِرْعَوْنُ أي في جواب هذا كله ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى أي ما أقول لكم إلا ما عندي وما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ